الثلاثاء، 25 يناير 2011

ماذا لو حدثت ثورة في ليبيا كما في تونس؟

هما بلدان متجاوران يتكلمان نفس اللغة ويتشابهان كثيرًا في بعض العادات والتقاليد وتوجد بينهم علاقات من الصداقة والمصالح المتبادلة بل والقرابة في أحيان كثيرة، وباختصار أعرف كما تعرفون مثلي كلكم بأنه من الناحية الاقتصادية يوجد فارق كبير بين الدولتين، لأن ليبيا دولة نفطية تملك ثروات هائلة من البترول، وتمتد على مساحة أوسع بكثير من مساحة تونس في حين عدد سكانها قليل مقارنة بمساحتها وبعدد سكان تونس في ذات الآن.

وليبيا بثرواتها الهائلة وباحتياطياتها الكبيرة من النفط ومن العملات والذهب لا مجال لمقارنتها بما تملكه تونس من أموال، فتونس لا تملك شيء عدا موقعها الذي يعد أفضل نسبيًا، واعتمادها على ما تقدمه إليها السياحة أو بعض المنتجات الزراعية والصناعية، فليبيا يمكن القول أن تملك أكثر مما تملكه تونس بمائة مرة أو يزيد، والمفارقة العجيبة أنه برغم كل هذا إلا أن الليبيون يذهبون بالآلاف للعلاج في مشافي تونس، وأن هذه الأخيرة تمتلك بنية تحتية أرقى وأحدث بكثير مما تمتلكه شقيقتها بلاد النفط، وتشمل هذه البنية المواصلات والتعليم والصحة والرياضة والكهرباء، فالكهرباء في تونس لا يمكن أن تنقطع بدون سابق إنذار ويحدث ذلك في مرات نادرة قد تكون مرة أو مرتين في السنة، بينما في ليبيا تنقطع مئات المرات وبدون سابق إنذار، وفي تونس كل أعمدة الكهرباء تقف على ناصية الطريق لتصنع زاوية قائمة مع سطح الأرض، في حين يستحيل وجود عمود يصنع هذه الزاوية في ليبيا لأنها زاوية حرجة، وخدمة الإنترنت في تونس هي أفضل بكثير من ليبيا، وأسرع بكثير وأقل تكلفة والأمر ذاته ينطبق على خدمات الاتصال اللاسلكي وخدمات الجوال.

والمضحك المبكي الذي قد لا نشعر به أن مرتب الموظف في تونس أكبر من نظيره في ليبيا، وقد يصل هذا الفرق إلى الضعف، وبلغة أخرى قد تسهل على الذين يعانون من مشاكل في الحساب وإلى من هم مثلي أقول، هي دولة صغيرة المساحة لا تملك البترول بها خدمات راقية، ويتقاضى موظفوها مرتبات جيدة، ونحن دولة غنية غناء فاحش مساحتها كبيرة أكبر من طموحاتنا، مرتبات هزيلة وخدمات تحت المستوى وبرغم رداءتها فهي مرتفعة التكلفة.

هناك شعب فقير أنتج أطباء ومهندسين وطبقة مثقفة واعية أشبه بالمجتمع الأوروبي، وهنا برغم الإمكانيات الرهيبة مجتمع غني أنتج أطباء مرتشون لا يحملون من كلمة أطباء إلا تلك الكلمة المكتوبة على شهادات تخرجهم، ومهندسون فاشلون أبعد ما يكونوا عن علم الهندسة وهو منهم برأ، هنا شعب من الغوغائيين الذين يسيطر عليهم الجناح ويتملكهم، ويذكرهم في كل لحظة بأنهم أحفاد الهلاليين ورواد نظرية قانون الغاب وسيطرة القوي على الضعيف وامتهان الفوضى.

وبرغم هذا تزيد المفارقة كلما اندفعت أكثر إلى الكتابة واسترسلت في سرد الوقائع، والغرابة في هذه الفقرة أنه برغم كل الذي ذكرت لكم سابقًا؛ إلا أن الشعب التونسي بحكم ثقافته وتعليمه الراقي اكتشف أنه يوجد خطأ في هرم السلطة ينبغي إصلاحه، وبالفعل قام بثورة كانت مثالاً يحتذى ونظرية تدرس في عالم استرداد الحقوق، في حين أن جيرانه الليبيين لم ينتبهوا لما يعانونه من مرارة وقلة حيلة، ولم يحركوا ساكناً، فالمظالم أكثر في ليبيا، واغتصاب الحرية وانتشار الفساد والرذيلة والمرض والفاحشة والرعب والخوف لا مكان له أكثر مما يوجد في ليبيا.

لكني وفي حقيقة الأمر أشعر ببعض الارتياح لأن الثورة حدثت في تونس ولم تحدث في ليبيا، وكان ارتياحي هذا نابعًا من نظرتي الحكيمة للأشياء، لأنه أيها السادة لو حدثت الثورة في ليبيا على غرار نظيرتها في تونس فسوف يحدث أمرين فضيعين قد يقلبان حياتنا إلى جحيم قد يستمر لأكثر من مائة عام، فالأمر الذي أنا أراه أمامي في حين حدوث الثورة أن من هم على هرم السلطة في ليبيا لن يتخلون عنها بذات البساطة التي حدثت في تونس، لن يسمحوا بأن تكون هناك مظاهرات تستمر لأربعة أيام ومن ثم يغادرون البلاد في جنح الليل، فهؤلاء أشد قسوة من نظرائهم هناك بسبب جنون العظمة وجبروت أموال البترول، فهم سيقاومون الثورة لآخر لحظة ولن يسمحوا أبدًا بأن يسلب منهم المجد أو أن تصادر منهم السلطة، فهم تعودوا على السلطة وإصدار الأوامر ولن يخرجوا من هنا إلا على أنهار من الدماء، ومئات آلاف القتلى، سيضربون بكل ما لديهم من قوة، وسيكشرون عن أنيابهم ويتحولون إلى حقيقة كونهم وحوش ضارية تقتل لرغبة القتل وإلحاق الأذى.

والأمر الثاني هو لنفرض أن هذه الثورة نجحت وهرب الحكام عن البلاد، هل في رأيكم بأن البلاد ستهدى في رابع الأيام من الثورة كما حدث في تونس، هل في رأيكم بأن الشعب الليبي سيتصرف بذات الحكمة التي تصرف بها الشعب التونسي، هل في رأيكم أنه يوجد في ليبيا حكما يستطيعون أن يوجهوا الشعب ويتحدثوا عبر الإعلام لإقناعة بضروريات الأمور، لا شك أن هذا لن يحدث منه شيء، فهذا الشعب ولأنه تم تجهيله لمدة عقود من السنين صوف يخرج إلى الشوارع ليتصرف بمقتضى الجهل، وسيعيث في الدنيا فسادًا وسيحرق الأخضر واليابس، وسوف تنهب البنوك وتدمر المنشآت وتحرق، وبعبارة أخرى سوف تتحول الحياة إلى جحيم قد يندر وجود مثيل له في أي مكان في العالم؛ بسبب أن الجهل الموجود في ليبيا لا مكان في العالم يوازيه، فالليبيين ومن خلال الفكرة التي عرفناها عنهم أنهم شعب جبان حين يشتد الخطر وتأتي ساعة بطش الحكام، فتراه يجنح إلى السلم والخوف، ولا يكاد ينطق بكلمة لا، وحين تنفلت الأمور فهو الغوغائية في أتم معانيها، وكلكم شاهدتهم ما حدث حين اقتحم الشبان الشقق السكنية وعاثوا فيها فسادًا وسرقة لمرافقها وكانوا عارًا ما بعده عار، إنهم أبناء هذا الوطن، إنهم أبناء النظرية العالمية الثالثة وشباب ليبيا الغد، إنهم بعبارة أخرى الخطيئة تمشي على الأرض.

إذا وبحسب وجهة نظري فإن ليبيا حالة ميئوس منها في الحالتين، إن بقيت الأوضاع هكذا كما هي في الجهل سيستفحل والفساد سيزيد يومًا عن يوم، وإن قامت الثورة الشعبية فإن ليبيا ستتحول البلاد إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف دون هوادة.

وهؤلاء الذين يسمون في ليبيا بالمعارضة في معظمهم ليسوا إلا سلطاويون جهلة يحاولون أثارة المشاكل طمعًا بالاستيلاء على الحكم، وأنا في حقيقة الأمر لم استمع طوال حياتي لحديث مواطن ليبي يمكن أن يكون مخلصًا لليبيا من هو الهوة السحيقة التي تقع فيها كل يوم وتتسارع إلى الهاوية، فليبيا بلد بلا مثقفين وهو شعب من ورق، يساوي أصفارًا إنما على الجهة اليسرى.

اعتذر لهذا التشاؤم لكنها حقيقة الأمر، إنه المضحك المبكي إنه الوضع الذي نعيشه، إنها حياتنا، إنه حكم على بلد بالإعدام شنقًا حتى الموت، فقرتسياني كانت له جريمة بأن شنق سيدنا عمر المختار، ومن جاءوا بعد قرتسياني كان عقابهم أشد وأشرس فهم قد شنقوا شعب بكامله فعلى الدنيا السلام.

معلم الجبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق