الثلاثاء، 18 يناير 2011

عزف منفرد

وحده ــ كما عودنا دائما ــ قدم الأخ العقيد فاصلا من العزف المنفرد بعد ساعات من الإطاحة بالرئيس بن على.  انتقد «الصقر الوحيد» استعجال التونسيين، وقال إنه كان بإمكانهم الانتظار ثلاث سنوات حتى يرحل بن على ويتم التحوّل بالتى هى أحسن، فى إشارة إلى إعلان الأخير انه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة، فى محاولة لتهدئة احتجاجات الشعب التونسى التى استمرت أربعة أسابيع، وهى حيلة لم تنطل على أحد باستثناء الأخ العقيد على ما يبدو.

 نعرف الآن أن الأخ العقيد الذى ربطته علاقات وثيقة بالرئيس التونسى المخلوع رفض استقباله فى بلاده، وألقت وحدات من الجيش التونسى القبض على نحو خمسين من ضباط الحرس الخاص بالرئيس بن على قبل فرارهم إلى ليبيا، لكن ذلك لم يمنع القذافى أن يصف «الزين» ــ هكذا يدلل الرئيس التونسى ــ بأنه الأصلح لتونس، وأنه لا يتمناه رئيسا لتونس حتى عام 2014 فقط، وإنما مدى الحياة، وقلل العقيد من تضحيات الشعب التونسى ودماء أبنائه الذكية التى سالت فى الطريق إلى هذه اللحظة التاريخية، وقال إن هذه «الاضطرابات» ــ لاحظ أنه لم يسمها ثورة أو انتفاضة أو حتى احتجاجا ــ كان يمكن أن تكون مبررة لو أنها استندت إلى نظريته العالمية الثالثة التى تستبدل بالديمقراطية النيابية حكم الشعب المباشر.!

 لا يعنينا ترويج الأخ العقيد لنظريته العالمية الثالثة، كما لا يسعنا سوى التعامل بجدية مع ما يقول باعتباره رئيس دولة، وما قاله يكشف عن حالة من الهلع تؤرق مضاجع حكام عديدين فى منطقتنا، خشية انفراط العقد، وانطلاق ثورة الياسمين من تونس الخضراء إلى عواصم عربية أخرى، فالمقدمات المتشابهة (فقر وبطالة وفساد واستبداد) تقود إلى نتائج متشابهة: انتفاضات وثورات شعبية.

 والمدهش أنه فى اللحظة التى كان الأخ العقيد فيها يعزف منفردا، كان أحد شباب «الحيطيست» الجزائريين ــ العاطلون الذين يسندون ظهورهم إلى الحائط فى شوارع الجزائر العاصمة ــ يحرق نفسه على طريقة مفجر الثورة التونسية الراحل محمد بوعزيزى، وإن تمكن المارة من إنقاذه قبل أن يلقى حتفه.

 لا أظن أن الرئيس التونسى توقع هذه النهاية، ولا أظن أنه تصور للحظة أن يرفض قائد القوات البرية الجنرال رشيد بوعمار تنفيذ أوامره بقمع الثورة الشعبية، وأن يلقنه الدرس الأخير قبل الرحيل: نيران الجيش ضد أعداء الوطن لا فى صدور أبنائه.
عماد الغزالي
الشروق المصرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق