الاثنين، 17 يناير 2011

ساطع نور الدين: مَن هو التالي؟

مع الاحترام والتقدير للإجماع العربي الراهن الذي يسلط الضوء على مصر ويعتبر أن الأشقاء المصريين يستحقون ويتوقون الى تغيير على النمط التونسي، يكون مرشداً للأمة ومؤسساً لتحوّل جذري في أحوالها البائسة، الموروثة من خمسينيات القرن الماضي، فإن تلك الوصفة تعني الكارثة ولا شيء سواها.. من دون ان يعني ذلك ان الحالة المصرية لا تحتمل تظاهرات شعبية تفرض تعديلاً على اولويات الحكم المقبل وجدول اعماله.

 ثمة تسليم ضمني، لدى النخبة العربية على الاقل، بأن التجربة التونسية ليست نموذجية، ولا يمكن تعميمها بسهولة، حتى على دول الجوار التونسي المغلق، سواء في الغرب الجزائري او الشرق الليبي. أقصى ما يمكن قوله هو الرجاء بأن يكون كلام الشارع صادقاً وصداه مدوياً ليس فقط في الشمال الافريقي بل في العالم العربي كله من دون استثناء. لكنه لا بد من الاعتراف بأن الثورة الشعبية التي جرت في تونس طوال الشهر الماضي وأطاحت بالطاغية زين العابدين بن علي بأقل قدر ممكن من الدماء والفوضى والفراغ، قدمت مثالاً عن دولة وشعب ونظام ووعي وثقافة هي اقرب الى الامثلة الاوروبية، التي لا يمكن العثور عليها في أي بلد عربي آخر.

 حتى الآن، لا يزال النموذج التونسي فريداً، لا يمكن إسقاطه على الجزائر او ليبيا او حتى على المغرب، حيث يمكن أن تتحوّل الرغبة الشعبية الدفينة بالتغيير الى مجازر مروعة، لا ينجو منها الفقراء على تعددهم او المعارضون على اختلافهم، ولا تسلم منها المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، ولا يخرج منها المجتمع سالماً، او قادراً على الوقوف على قدميه قبل عقود طويلة. اما احتمالات التقسيم لأي من الدول الثلاث، فهي قد لا تكون خطراً داهماً، لكن الوحدة الوطنية يمكن أن تصبح خيالية.

 مع ذلك، فان المحافظة على الانظمة الحالية صارت معيبة، كما ان المطالبة بالتغيير اكتسبت مصداقية وشرعية لم يسبق لها مثيل، لا سيما وانها ليست مدفوعة بخطاب إسلامي يعد الجماهير بالجنة ويستدعي الغرب للقتال، بل هي مبنية على معطيات وحسابات شعبية بسيطة جداً وصادقة جداً وعفوية جداً، تتقدم على اي خطاب سياسي معارض، قومياً كان ام اشتراكياً او ليبرالياً. والشارع ليس بحاجة الى طلب الاذن من اجل التحرك، ولم يعد يستطيع الانتظار طويلاً من اجل تلبية مطالبه المشروعة والمتواضعة ايضاً.

 وقع الحدث التونسي كان وسيبقى مؤثراً جداً. لكن الوصول الى مصر يستدعي الكثير من الحذر، الا اذا كان الدافع هو الحقد او الرغبة في حريق هائل للقاهرة وللمدن المصرية الكبرى التي تئن تحت وطأة الجوع والفساد والفوضى. البديل المصري موجود، وهو لا يتطلب سوى ركلة خفيفة على قفا الرئيس حسني مبارك ترميه خارج السلطة وتجبر محيطه عن التخلي عن فكرة التوريث المهينة، وتأتي بفريق عسكري ومدني يقود مصر نحو الاستقرار والازدهار. والمؤكد ان مصريين كثيرين يحللون ما يجري في تونس وتداعياته من هذه الزاوية.

 هكذا يكون السيناريو التونسي مفيداً لمصر، وللعالم العربي كله، الذي يزخر بأنظمة انتهت صلاحياتها.

 السفير اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق