الثلاثاء، 1 مارس 2011

تضامن تونسي كامل مع الشعب الليبي الشقيق والمساعدات الطبيّة تتكدس ببـن قردان دون الوصول الى ليبيا


تشهد البوابة الحدودية برأس جدير تدفق الآلاف من التونسيين ومن عدّة جاليات صديقة وشقيقة قادمة من ليبيا وهاربة من جحيم البطش وقبضة القوات المرتزقة للنظام الحاكم هناك..
في هذه النقطة الحدودية الكبرى على الحدود التونسية الليبية تنشط عدّة وفود طبيّة وإنسانية متكوّنة من عدة اطراف تونسيّة وتضمّ الجيش الوطني وإطارات الصحة العمومية ومبادرات من أهالي بن قردان لتوفير ظروف إغاثة واستقبال القادمين من ليبيا وهناك تجتمع عدّة شهادات تبرز بوضوح دموية الممارسات في قمع الشعب الليبي الثائر والمطالب بكرامته وحريته كما تتكدس بمدينة بن قردان كميات كبيرة من المساعدات الطبية والإعانات المختلفة بانتظار أن تجد طريقها الى ليبيا.
«الصحافة» كانت هناك على عين المكان لنقل ما يجري بالكلمة والصورة. وقد رافقت في هذه الرحلة قافلة طبيّة وانسانية انطلقت من العاصمة... من أمام السفارة الليبية على الساعة العاشرة ليلا وضمت العديد من المتطوعين التونسيين الذين لبّوا واجب الأخوّة والتضامن مع الأشقاء الليبيين الذين يعيشون حالة حصار حقيقي ومعاناة يوميّة تحت النار...
قافلة طبيّة تضامنيّة
بادرة القافلة عقبت اليوم الاحتجاجي الذي انتظم أمام السفارة الليبية كامل الثلاثاء... ويؤكد أحد المتطوّعين طاهر بليّش بأنّ الحركة العفويّة أثمرت تجهيز ما يعادل شاحنة كبيرة من الأدوية والمعدّات الطبيّة ومضادات الحروق وبعض الأغذية أتى بها مواطنون تونسيون وآخرون ليبيون كامل اليوم ليشكل الكل قافلة تضامنية وشحت بالعلمين التونسي والليبي (في شكله الجديد الذي جاءت به ثورة 17 فيفري بليبيا) وقد وجدت الرحلة والقافلة التضامنية تسهيلات أمنية على طول الطريق بين تونس العاصمة ورأس جدير..
مستوصف ميداني وتعزيزات طبية
مدير المستشفى الجهوي ببن قردان سالم عيسى يؤكد لـ «الصحافة» بأن السلطات الصحية ركزت هناك مستوصفا ميدانيا يضم 4 أسرّة (في البدء) وطبيب في اختصاص طب عام وممرضين اثنين وسيارة اسعاف منذ يوم 22 فيفري. تتكامل هذه الاجراءات والتعزيزات مع المهمة الاصلية لمركز المراقبة الطبية للحدود حيث يؤكد رئيس المركز فوج شواط بأن الحالة عادية حيث انحصرت التدخلات في اسعافات أولية للقادمين من ليبيا دون تسجيل اصابات وحالات خطرة.
جنسيات مختلفة
وخلال حضورنا على عين المكان... تمت اضافة خيام جديدة مع وصول أنباء عن توافد أعداد كبيرة من الفارين من الجحيم على التراب الليبي مثل توقع أعداد هامة من الجاليات التركية والأفارقة وخاصة المصرية والذي يعتبر معبر رأس جدير الأقرب مقارنة بمعبر السلوم على الحدود المصرية الليبية الشرقية.
طوال اليوم تواصل توافد الفارين من جحيم المرتزقة وذكر مسؤول أمني خير عدم الكشف عن اسمه لـ «الصحافة» بأنه تم في الفترة الفاصلة بين 21 و22 فيفري تسجيل توافد عدة جنسيات وكانت كالآتي:
تونسيون (4260) ليبيون (211) أتراك (160) جزائريون (86) ومغاربة (22) إضافة الى 6 فرنسيين و12 هولنديا وثلاثة أمريكيين و10 عمانيين وقطريان و7 ألمان وثلاثة ماليين و4 سوريين واثنين من الهند.
فارون من الجحيم
في أنحاء مختلفة من ساحات البوابة الحدودية انتشرت الوفود الفارة من المدن القريبة من الحدود التونسية الليبية مثل زوارة وصبراطة والزاوية... عمال وعائلات جلسوا ليتحدثوا الى «الصحافة» عن حالة الرعب التي عاشوها خلال الأيام المنقضية ورأوا خلالها الموت أمام أعينهم ففي صبراطة كان المشهد الدامي يتكرر كل ليلة مثلما يؤكدا المصري عطا أحمد علي قائلا :« نحن المصريين نعيش بالقرب من بعضنا البعض في منازل شعبية بصبراطة (والتي تبعد حوالي 120 كلم عن الحدود التونسية)... ويضيف أمام حالة اللامعلومة التي تخيم على المدينة فضلنا عدم الخروج للشارع خوفا من البطش فخدمات الهاتف الجوال مقطوعة والأخبار التي نراها على قناة الجماهيرية لا ترينا الا جانبا واحدا من الحقيقة»...
الفيديو ممنوع
عطا المصري الذي يشتغل كبقية مواطنيه في الحدادة. في الليل والنهار نحن لا نفتح الباب لأحد ففي الليلة قبل الماضية خلعوا علينا الباب وصوبوا خناجرهم على رقابنا وسلبوا ما نملك.. سألنا عطا عن هوية المعتدين فأجاب بأنهم عرب وأفارقة والعرب يتشابهون في لهجتهم الليبية ولا نكاد نميز هل هم ليبيون فعلا أم لا؟
ويتحدث بجواره مواطنه بخيت رمضان أصيل سوهاج المصرية والمشتغل بالحدادة أيضا... فيؤكد بأن وصولهم الى الحدود التونسية كان معجزة في حد ذاته.. فالطريق لم تكن آمنة وان لم يتعرضوا الى خطر السفر الا انهم ذكروا لنا عدة روايات عن تفتيش المعابر في المدن وقبل الحدود وافتكاك شرائح الهواتف النقالة وبطاقات الذاكرة بها مخافة ان تكون بها تسجيلات فيديو يقع تمريرها خارج البلاد..
الهاربون المصريون اختاروا رأس جدير لقربها على أساس ان يقع بعد ذلك نقلهم مجانا الى المدن التونسية قبل العودة الى بلادهم...
قسوة التعذيب
في مكان آخر احتشد شهود عيان وكاميرات قنوات تلفزية حول تونسيين اثنين فارين من قسوة التعذيب التي تعرضا اليها هناك على أيدي «مرتزقة القذافي» كما يروون ذلك قبل ان يكشفا للجميع اثار الجلد والتعذيب على ظهريهما وعبثا حاول الجميع منّا اظهار آثار التعذيب الا انهما رفضا ذلك قائلين رجاء يا أخواني لا تنسوا أنه لا يزال الاف التونسيين بكامل التراب الليبي ونحن نخاف من ردة فعل النظام الليبي من هذه التصريحات اذ قد يبادر الى الانتقام من كل تونسي يقع تحت قبضة الميليشيات واعوان القذافي...
بطش ورقابة
سألنا من استجوبناهم لماذا لا يوجد من الفارين والعائدين من ليبيا الجرحى او من حالتهم خطرة.. وهنا ذكر لنا احد العائدين التونسيين واسمه مصباح .ش بأن أعوان الامن الليبي يقومون بمنع وصول الحالات الخطرة الى تونس بل وحتى من بهم اصابات صغيرة خشية ان يقع عرضها على القنوات التلفزيونية ووسائل الاعلام الدولية والتي تظل ممنوعة في ليبيا الى اشعار اخر وعقب قائلا: «ربما هذا ما يفسر نجاح المعذبين التونسيين في عبور الحدود لانه لم تكن توجد عليهما اثار اعتداء في اليد والوجه او اصابات ظاهرة للعيان»...
القناة الوطنية.. ممنوعة
رأس جدير تحولت يوم الاربعاء الىستوديو ميداني ضخم احتشدت به كاميرات عدة قنوات تلفزيونية عالمية وعربية باستثناء قنواتنا الفضائية وخاصة قناة الوطنية التي منع فريقها من التصوير بل وحتى من الاقتراب من مدخل البوابة وهدد أهالي بن قردان واعضاء اللجنة الاهلية لحماية الثورة ببن قردان من تكسير معداتها وتعنيف طاقمها وبرروا ذلك بتخاذلها وعدم تغطيتها ما شهدته هذه المدينة الحدودية من بطش النظام السابق في احداث رمضان الماضي في حين سمح لفريق الاذاعة الوطنية واذاعة تطاوين من التغطية واستجواب العائدين.
تعبئة شعبية وطنية
التنسيق الميداني برأس جدير يتم بين الجيش الوطني والحرس الوطني والطواقم الطبية والحماية المدنية واعضاء لجنة حماية الثورة التي تشكلت من مواطني معتمدية بن قردان وتحدث الينا السيد منصف شندول منسق هذه اللجنة قائلا بأنها مبادرة اهلية لحماية الثورة وتكونت منذ 12 جانفي للمطالبة باسقاط نظام بن علي في البدء.. والان يتمثل دورها في تقديم يد المساعدة للعائدين من ليبيا وتأمين النقل المجاني لهم لمختلف الجهات وقد تم توفير عدة حافلات للشركات الجهوية والوطنية للنقل من رأس جدير الى بن قردان ثم من بن قردان الى مختلف مناطق الجمهوية كما تمت الاستعانة بسيارات وكالات الاسفار والسياحة... كما تم توفير خيام للايواء والاستراحة والمبيت ولمجات توزع على مدار الساعة للقادمين وتم توجيه نداءات للمواطنين للتبرع بالدم والاستعداد لاستقبال اعداد المصابين الذين يمتنع النظام الليبي عن ارسالهم الى تونس كما يتم التنسيق لجمع الأدوية وتجميعها بالمستشفى الجهوي ببن قردان ويضيف بأنه هناك العديد من الاطباء والكوادر التونسية موضوعة على استعداد لاستقبال الجرحى حتى لدخول ليبيا متى سمحت الفرصة لذلك.
إغاثة التونسيين بليبيا
والي مدنين نبيل الفرجاني قام بزيارة البوابة الحدودية برأس جدير لمواكبة اخر التطورات الميدانية واستعداد مختلف الطواقم الطبية والامنية لتكون في حجم الحدث.. وبسرعة تحلق حوله العشرات من التونسيين والعائدين مطالبين السلطات التونسية بموقف مساند واكثر جرأة ضد النظام الليبي الذي وصفوه بالمجرم والدامي واستمع الى شهادات بعض من عاد من طرابلس ذاكرا فرار عدد من مسؤولي السفارة التونسية والقنصلية العامة والمركز الثقافي التونسي بطرابس وعدم اكتراثهم بمعاناة التونسيين الذين لا يزالون محاصرين هناك بانتظار وصول طائرات أو بواخر تونسية لنقلهم.
والي مدنين الذي يبدو شابا قياسي بما عهدناه في ولاة النظام السابق أبدى اصغاء وانصاتا محمودين وهو الذي لم يمر على تعيينه سوى ثلاثة أيام.
تغطية تلفزيونية دولية
حركة المعبر الحدودي رأس جدير والحضور الاعلامي المكثف كان ايضا نقطة استقطاب للعديد من المعارضين الليبيين القادمين من ليبيا مثل حركة اختلاف حيث اكد المعارض عمر محمد علي العصادي لـ«الصحافة» بأن الوضع في ليبيا اكثر من مأساوي فمن لم يمت في هذه المجزرة مات من قلة الدواء.
وأضاف بأنه يشكر أحرار ثورة تونس الذين حركوا ضمائر الشعوب العربية فانطلق الشباب الليبي منتفضا لتحرير بلاده في الغرب والشرق باتجاه العاصمة. أنا جئت الى تونس طلبا للعون الطبي ودعم المقاومة وأشكر الشعب التونسي الذي امطرنا بالمساعدات الطبية من كل الجهات والدعم اللامحدود... تآزر الشقيق للشقيق وهذه المساعدات تتكدس في بن قردان ولا تصل الى التراب الليبي الشقيق وهنا وجه العصادي نداءه الى القبائل الليبية في المناطق الحدودية بأن تقترب من الحدود الليبية لتسلم الأدوية في حركة وطنية لكامل ليبيا وليست في شكل حركة قبائلية...
ولم يخف المتحدث مقته للموقف الدولي الذي وصفه بالمتخاذل لأن الغرب لا تحركه الا مصالحه... وهنا وجه لزعماء الغرب بأن الليبيين سيقومون بتفجير أنابيب ومصافي النفط بليبيا.
قوافل طبية في الطريق
نترك رأس جدير... وفي طريق العودة تعترضنا قوافل متوافدة محملة بالمساعدات الطبية من الجنوب الشرقي ومن الساحل وعلى طول الطريق السريعة الرابطة بين صفاقس ـ سوسة ـ تونس... استعدادا لتطورات محتملة للوضع المأساوي في ليبيا والنظر في امكانيات ايصال الأدوية الى داخل المدن الليبية المحاصرة.
(تصوير الهادف)

هناك تعليق واحد: